كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو حنيفة رحمه الله: حجه صحيح، وعليه أن يهدي بدنة متمسكًا بظاهر حديث: «الحج عرفة» وإن كان جماعة بعد رمي جمرة العقبة، وقبل طواف الإفاضة: فحجه صحيح عند الجميع، وعند الشافعي: تلزمه فدية، وعند أبي حنيفة: إن جامع بعد الحلق: فعليه شاة، وإن جامع قبل الحلق، وبعد الوقوف: فعليه بدنة.
وعن أحمد روايتان: فيما يلزمه هل هو شاة، أو بدنة، ومذهب مالك: أن حجه صحيح، وعليه: هدي وعمرة، ووجهه عنده أن الجماع لما كان بعد التحلل الأول برمي جمرة العقبة، لم يفسد به الحج، ولَكِنه وقع فيه نقص بسبب الجماع قبل التحلل الثاني، فكان هذا النقص عنده يجبر بالعمرة والهدي.
وفي الموطأ قال مالك: في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه، وبين أن يدفع من عرفة، ويرمي الجمرة أنه يجب عليه الهدي وحج قابل، قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة، فإنما عليه أن يعتمر ويهدي، وليس عليه حج قابل. اهـ.
ونقل البابجي عن مالك: أن محل فساد الحج بالجماع قبل الرمي والإفاضة وبعد الوقوف بعرفة، فيما إذا كان الوطء واقعًا يوم النحر، أما إن أخر رمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة معًا عن يوم النحر، وجامع قبلهما، فلا يفسد حجه: وعليه عمرة وهديان: هدي لوطئه، وهدي لتأخير رمي الجمرة انتهى منه بواسطة نقل المواق في شرحه لمختصر خليل في الكلام على قوله: والجماع ومقدماته، وأفسد مطلقًا كاستدعاء مني، وإن بنظر قبل الوقوف مطلقًا، إن وقع قبل إفاضة وعقبه يوم النحر أو قبله وإلا فهدي اهـ.
فتحصل: أن الجماع قبل الوقوف بعرفات مفسد للحج، عند الأئمة الأربعة وبعد التحلل الأول، وقبل الثاني: لا يفسد الحج عند الأربعة.
وقد عرفت ما قدمنا ما يقع به التحلل عند كل واحد منهم، وإن وقع بعد الوقوف بعرفة، وقبل التحلل: أفسد عند الثلاثة، خلافًا لأبي حنيفة كما تقدم إيضاحه قريبًا.
وإذا عرفت أقوال أهل العلم في الجماع، فاعلم أنهم متفقون على أن مقدمات الجماع كالقبلة والمفاخذة، واللمس بقصد اللذة حرام على المحرم.
ولَكِنهم اختلفوا فيما يلزمه لو فعل شيئًا من ذلك: فمذهب مالك وأصحابه: أن كل تلذذ بمباشرة المرأة من قبلة، أو غيرها، إذا حصل معه إنزال أفسد الحج. وقد بينا قريبًا ما يلزم من أفسد حجه حتى إنه لو أدام النظر بقصد اللذة فأنزل: فسد عند مالك حجه ولو أنزل بسبب النظرة الأولى من غير إدامة: لم يفسد حجه عند مالك، وعليه الهدي. أما إذا تلذذ بالمرأة بما دون الجماع، ولم ينزل فإن كان بتقبيل الفم: فعليه هدي، والقبلة حرام على المحرم مطلقًا عند مالك، وأما إن كان بغير القبلة كاللمس باليد، فهو ممنوع إن قصد به اللذة، وإن لم يقصدها به، فليس بممنوع، ولا هدي فيه ولو قصد به اللذة وإنما عليه الإثم إلا إذا حصل بسبه مذي فيلزم فيه الهدي ومحل هذا عندهم في غير الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة ففيها الهدي.
فتحصل: أن مذهب مالك فساد الحج بمقدمات الجماع، إن أنزل، وإن لم ينزل ففي القبلة خاصة مطلقًا: هدي وكذلك كل تلذذ خرج بسببه مذي، وكذلك الملاعبة الطويلة والمباشرة الكثيرة وما عدا ذلك من التلذذ، فليس فيه إلا التوبة والاستغفار، ولا يفسد الحج عنده إلا بالجماع، أو الإنزال. ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: أن التلذذ بما دون الجماع كالقبلة، واللمس بشهوة، والمفاخذة ونحو ذلك، يلزم بسببه دم، وسواء عنده في ذلك أنزل أو لم ينزل، ولو ردد النظر إلى امرأته حتى أمنى، فلا شيء عليه عند أبي حنيفة.
ومذهب الشافعي رحمه الله: هو أنه إن باشر امرأته فيما دون الفرج بشهوة أو قبلها بشهوة: أن عليه فدية الأذى والاستمناء عنده كالمباشرة فيما دون الفرج. وصحح بعض الشافعية: أن عليه شاة، ولو ردد النظر إلى امرأته، حتى أمنى، فلا شيء عليه عند الشافعي. ومذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه إن وطئ فيما دون الفرج، ولم ينزل: فعليه دم، وإن أنزل: فعليه بدنة. وفي فساد حجه روايتان:
إحداهما: أنه إن أنزل فسد حجه، وعليه بدنة وبها جزم الخرقي.
وقال في المغني: في هذه الرواية اختارها الخرقي وأبو بكر، وهو قول عطاء والحسن، والقاسم بن محمد، ومالك، وإسحاق.
والرواية الثانية: أنه إن أنزل فعليه بدنة، ولا يفسد حجه.
وقال ابن قدامة في المغني: في هذه الرواية: وهي الصحيحة، إن شاء الله، لأنه استمتاع لا يجب بنوعه حد فلم يفسد الحج كما لو لم ينزل، ولأنه لا نص فيه ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه. انتهى محل الغرض منه.
وما ذكرنا عن أحمد: من أنه إن أنزل تلزمه بدنة: أي سواء قلنا بفساد الحج، أو عدم فساده، وممن قال بلزوم البدنة في ذلك: الحسن وسعيد بن جبير، والثوري، وأبو ثور، كما نقله عنهم صاحب المغني. وإن قبل امرأته، ولم ينزل أو أنزل جرى على حكم الوطء فيما دون الفرج، وقد أوضحناه قريبًا.
وإن نظر إلى امرأته، فصرف بصره، فأمنى فعليه دم عند أحمد، وإن كرر النظر، حتى أمنى، فعليه بدنة عنده.
وقد قدمنا عن مالك: أنه إن كرر النظر، حتى أمنى فسد حجه، وهو مروي عن الحسن وعطاء.
واعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي: أن الحج الفاسد بالجماع يجب قضاؤه فورًا في العام القابل، خلافًا لمن قال: إنه على التراخي، ودليل ذلك الآثار التي ستراها إن شاء الله في الكلام على أدلة هذا المبحث.
وأظهر قولي أهل العلم عندي أيضًا: أن الزوجين اللذين أفسدا حجهما يفرق بينهما، إذا أحرما بحجة القضاء لئلا يفسدا حجة القضاء أيضًا بجماع آخر كما يدل عليه بعض الآثار المروية عن الصحابة، والأظهر أيضًا: أن الزوجة إن كانت مطاوعة له في الجماع يلزمها مثل ما يلزم الرجل من الهدي والمضي في الفاسد والقضاء في العام القابل، خلافًا لمن قال: يكفيهما هدي واحد. والأظهر أنه إن أكرهها: لا هدي عليها.
وإذا علمت أقوال أهل العلم في جماع المحرم، ومباشرته بغير الجماع، فاعلم أن غاية ما دل عليه الدليل: أن ذلك لا يجوز في الإحرام لأن الله تعالى نص على ذلك في قوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} [البقرة: 197] أما أقوالهم في فساد الحج وعدم فساده، وفيما يلزم في ذلك، فليس على شيء، من أقوالهم في ذلك دليل من كتاب ولا سنة، وإنما يحتجون بآثار مروية عن الصحابة. ولم أعلم بشيء مروي في ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثا منقطعًا لا تقوم بمثله حجة: وهو ما رواه أبو داود في المراسيل، والبيهقي في سننه: أخبرنا أبو بكر محمد بن صالح أنبأنا أبو الحسن عبد الله بن إبراهيم الفسوي الداودي، ثنا أبو على محمد بن أحمد اللؤلؤي، ثنا أبو داود السجستاني ثنا أبو توبة، ثنا معاوية يعني: ابن سلام، عن يحيى قال: أخبرني يزيد بن نعيم أو زيد بن نعيم: شك أبو توبة: أن رجلًا من جذم جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما «اقضيا نسككما وأهديا هديا ثم ارجعا حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا ولا يرى واحد منكما صاحبه وعليكما حجة أخرى فتقبلا حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وأتما نسككما وأهديا» هذا منقطع، وهو يزيد بن نعيم الأسلمي بلا شك. انتهى من البيهقي وتراه صرح بأنه منقطع وانقطاعه ظاهر، لأنه يزيد بن نعيم المذكور من صغار التابعين. وقال الزيلعي في نصب الراية بعد أن ذكر الحديث المذكور، عند أبي داود في المراسيل، والبيهقي، وذكر قول البيهقي: إنه منقطع ما نصه: وقال ابن القطان في كتابه: هذا حديث لا يصح، فإن زيد بن نعيم مجهول، ويزيد بن نعيم بن هزال ثقة. وقد شك أبو توبة، ولا يعلم عمن هو منهما، ولا عمن حدثهم به معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، فهو لا يصح. قال ابن القطان: وروى ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن المسيب: أن رجلًا من جذام جامع امرأته، وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: «أتما حجكما، ثم ارجعا، وعليكما حجة أخرى، فإذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما، فأحرما وتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه ثم أتما نسككما وأهديا» انتهى.
قال ابن القطان: وفي هذا أنه أمرهما بالتفرق في العودة لا في الرجوع وحديث المراسيل على العكس منه قال: وهذا ضعيف أيضًا بابن لهيعة انتهى كلامه انتهى محل الغرض منه من نصب الراية للزيلعي.
وإذا كانت هذه المسألة المذكورة ليس فيها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث المنقطع سنده تبين: أن عمدة الفقهاء فيها على الآثار المروية عن الصحابة، فمن ذلك ما رواه مالك في الموطأ بلاغًا أن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبا هريرة رضي الله عنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله، وهو محرم بالحج؟ فقالوا: يَنْفُذَانِ يمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي. قال: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما. اهـ.
وهذا الأثر عن هؤلاء الصحابة منقطع أيضًا كما ترى.
وفي الموطأ أيضًا: عن مالك، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل له القوم شيئًا. فقال سعيد: إن رجلًا وقع بامرأته، وهو محرم، فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك، فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى عام قابل، فقال سعيد بن المسيب: لِيَنْفُذَا لِوُجهِهِمَا فَلْيُتِمَا حَجَّهُمَا الذي أفسداه، فإذا فرغا رجعا، فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي، ويُهِلانِ من حيث أهَلاَّ بحجهما الذي أفسداه ويتفرقان، حتى يقضيا حجهما. قال مالك: يهديان جميعًا بدنة بدنة.
قال مالك في رجل وقع بامرأته في الحج: ما بينه وبين أن يدفع من عرفة، ويرمي الجمرة إنه يجب عليه الهدي وحج قابل، فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة، فإنما عليه أن يعتمر، ويهدي، وليس عليه حج قابل.
قال مالك: والذي يفسد الحج أو العمرة، التقاء الختانين. وإن لم يكن ماء دافق. قال: ويوجب ذلك أيضًا الماء الدافق، إذا كان من مباشرة، فأما رجل ذكر شيئًا حتى خرج منه ماء دافق، فلا أرى عليه شيئًا، ولو أن رجلًا قبَّل امرأته، ولم يكن من ذلك ماء دافق، لم يكن عليه القبلة إلا الهدي، وليس على المرأة التي يصيبها زوجها، وهي محرمة مرارًا في الحج أو العمرة، وهي له في ذلك مطاوعة: إلا الهدي وحج قابل، إن أصابها في الحج، وإن كان أصابها في العمرة، فإنما عليها قضاء العمرة التي أفسدت والهديا اهـ. وفي الموطأ أيضًا عن مالك عن أبي الزبير المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أنه سُئِل عن رجل وقع بأهله، وهو بمنى، قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة.
وفي الموطأ أيضًا عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يُفِيضَ يعتمر ويهدي. وفي الموطأ أيضًا عن مالك: أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة، عن ابن عباس. قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلى في ذلك. انتهى محل الغرض منه.
وروى البيهقي بإسناده، عن عطاء: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في محرم بحجة أصاب امرأته، يعني وهي محرمة؟ قال: يقضيان حجهما وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما، ويفترقان حتى يتما حجهما، قال وقال عطاء: وعليهما بدنة، إن أطاعته، أو استكرهها، فإنما عيهما بدنة واحدة. اهـ. وهذا الأثر منقطع أيضًا، لأن عطاء لم يدرك عمر رضي الله عنه وروى البيهقي بإسناده أيضًا: أن مجاهدًا سئل عن المحرم، يواقع امرأته؟ فقال: كان ذلك على عهد عمر رضي الله عنه، قال: يقضيان حجهما والله أعلم بحجهما، ثم يرجعان حلالًا، كل واحد منهما لصاحبه، فإذا كان من قابل حجا وأهديا، وتفرقا في المكان الذي أصابها فيه.
وروى البيهقي بإسناده أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما: في رجل وقع على امرأته وهو محرم؟ قال: اقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا، ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما، وأهديا هديا. وفي رواية: ثم أهلا من حيث أهللتما أول مرة. اهـ. قال النووي في هذا الأثر الذي رواه البيهقي عن ابن عباس، إسناده صحيح وروى البيهقي بإسناده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه: أن رجلًا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم، وقع بامرأته؟ فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر فقال: بطل حجك. فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلًا، فحج وأهد، فرجع إلى عبد الله بن عمرو، وأنا معه فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله، قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس فسأله فقال له: كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو، وأنا معه، فأخبر بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؟ فقال: قولي مثل ما قال. اهـ. ثم قال البيهقي هذا إسناد صحيح وفيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد الله عن جده عبد بن عمرو بن العاص، فترى هذا الأثر عن هؤلاء الصحابة الثلاثة فيه ذلك الحكم عنهم بإسناد صحيح.
وروى البيهقي أيضًا من طرق أخرى، عن ابن عباس مثل ذلك، وفي بعض الروايات عن ابن عباس: أن على كل واحد منهما بدنة، وفي بعضها: أنهما تكفيهما بدنة واحدة، فهذه الآثار عن الصحابة وبعض خيار التابعين هي عمدة الفقهاء في هذه المسألة.
الفرع التاسع: اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إذا جامع مرارًا قبل أن يكفر كفاه هدي واحد، وإن كان كفر لزمته بالجماع الثاني كفارة أخرى، كما أنه إن زنى مرارًا قبل إقامة الحد عليه كفاه حد واحد إجماعًا، وإن زنى بعد إقامة الحد عليه لزمه حد آخر، وهذا هو مذهب الإمام أحمد، وممن قال بأنه يكفيه هدي واحد مطلقًا: مالك، وإسحاق، وعطاء.
والأصح في مذهب الشافعي: أنه يلزمه في الجماع الأول بدنة، وفي كل مرة بعد ذلك شاة. وعن أبي ثور: تلزمه بكل مرة بدنة، وهو رواية عن أحمد.
وعن أبي حنيفة: إن كان ذلك في مجلس واحد. فدم واحد وإلا فدمان.
واعلم أنهم اختلفوا فيما إذا جامع ناسيا لإحرامه؟ ومذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد: أن العمد والنسيان سواء بالنسبة إلى فساد الحج، وهو قول للشافعي، وهو قوله القديم. وقال في الجديد: إن وطئ ناسيا أو جاهلًا لا يفسد حجه ولا شيء عليه، أما إن قبل امرأته لإحرامه، فليس عليه شيء عند الشافعي وأصحابه قولًا واحدًا.
وقال ابن قدامة في المغني: ينبغي أن يكون الأمر كذلك في المذهب الحنبلي.
واعلم أن الجماع المفسد للحج هو التقاء الختانين الموجب للحد والغسل كما قدمناه في كلام مالك في الموطأ، والأظهر أن الإتيان في الدبر كالجماع في إفساد الحج، وكذلك الزنا أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منه فعل كل ما لا يرضي الله تعالى.
وقد قدمنا أن أظهر قولي أهل العلم عندنا أنه يفرق بين الزوجين اللذين أفسدا حجهما، وذلك التفريق بينهما في حجة القضاء. لا في جميع السنة.
وظاهر الآثار المتقدمة أن ذلك التفريق بينهما إنما يكون من الموضع الذي جامعها فيه، وعن مالك: يفترقان من حيث يحرمان، ولا ينتظر موضع الجماع، وهو رواية عن أحمد، وهو أظهر. وعن مالك وأحمد: أن التفريق المذكور واجب وهو قول أو وجه عند الشافعية، والثاني عندهم: أنه مستحب وهو وجه أيضًا عن الحنابلة، وممن قال بالتفريق بينهما: عمر بن الخطاب، وعثمان، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والثوري، وإسحاق، وابن المنذر. كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب ونقله ابن قدامة في المغني، عن عمر وابن عباس، وسعيد بن المسيب وعطاء، والنخعي والثوري، وأصحاب الرأي وغيرهم، وعن أبي حنيفة وعطاء: لا يفرق بينهما، ولا يفترقان قياسًا على الجماع في نهار رمضان، فإنهما إذا قضيا اليوم الذي أفسداه لا يفرق بينهما.